0


منقول من صحيفة الرياض السعودية بقلم عبدالعزيز بن سعود العنزي

بين ثاج والجرهاءد. عبدالعزيز بن سعود الغزي





تعارف الباحثون على أن ثاج موقع أثري يمثل مستوطنة قديمة عاشت ازدهارها في الأيام السابقة على ظهور الإسلام مع أنها بقيت مستوطنة خلال العصر الإسلامي إلا أنها أصبحت ثانوية لا تمثل إلا قرية صغيرة أو في بعض الأحيان مورد ماء للبدو الرحل. ولكن المتمعن في آثار ثاج وما يحيط بها من آثار في كل الاتجاهات لابد أن يكون لديه اقتناع بأنها كانت شيئاً أكثر من مستوطنة ولنقل عاصمة مملكة قديمة قد يكون تاريخها لقمة هضمتها معدة الزمن وما بقي منها ذرته الرياح وهذا الشيء يعود بنا إلى مسألة الممالك البائدة أو القبائل العربية البائدة، فهل ما باد في سجل التاريخ يمكن أن يعاد من خلال قراءة ما يوجد على أرض الواقع. ربما يكون الجواب بنعم إذا بذل الجهد المطلوب في الدراسة والبحث الميداني.
إلى من تنسب ثاج؟ لا أحد يستطيع ان يجزم بجواب قاطع؛ إلى أي عصر تعود آثار ثاج؟ لا أحد يمكن أن يجزم بجواب؛ أما لماذا فلأن آثار ثاج الثابتة والمنقولة تحكي قصة طويلة فيها رواية لمراحل الزمن التي مرت به المستوطنة أو حاضرة الدولة كما يبدو أنها كانت تلعب ذلك الدور.

وللبحث الأثري في ثاج تاريخ طويل قياساً بذلك الذي لغيرها من مثيلاتها من المستوطنات، فترجع بدايات الأعمال الأثرية فيها إلى أوائل هذا القرن حيث عرف عدد من النقوش القديمة التي عثر عليها في المستوطنة أو في المنازل السكنية التي يعود تشييدها إلى منتصف القرن الماضي ويومها نقل مشيد تلك المنازل بعض الكتل الحجرية التي تحمل نقوشاً قديمة من المستوطنة واستخدموها في تشييد منازلهم ومن تلك النقوش عرف المهتمون ان ثاج مستوطنة قديمة ذات أهمية مكانية وتجارية إذ إن نقوشها كتبت بأقلام جنوبية وأخرى شمالية دالة على الاتصال التجاري. وتوالت الكشوف الأثرية الميدانية والزيارات فيعرف أنها استقبلت عدداً من الباحثين الأوروبيين وفي ضوء ما نشروه عنها نمت قاعدة للأبحاث ولكن بحدود المادة المكتشفة التي كانت تقتصر يومذاك على ما يوجد على سطح المستوطنة من مواد منقولة ولكنه على قلته كان كافياً أن يجعلها محط اهتمام بعض الباحثين الغربيين قبل بداية الباحثين الوطنيين في الكتابة عنها.

وكانت ثاج أيضاً من أوائل المستوطنات في المملكة العربية السعودية التي بدأت فيها الأعمال الأثرية المنظمة بدءاً من عام 8691م عندما قامت البعثة الدانمركية التي اشرف على أعمالها الآثاري جفري بيبي بإجراء مسح لها وبعض التقنيات الأثرية التي اقتصرت على مجسات في المستوطنة وأحد تلال المدافن الواقعة بجوار المستوطنة. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل استمر الاهتمام بهذا الموقع كمستوطنة رئيسة فأنجزت بخصوصها بضعة أعمال ميدانية تنقيبية. ففيما يخص المستوطنة نجد أنها تعرضت لموسمي تنقيب من قبل وكالة الآثار والمتاحف أحدهما كشف عن منطقة صغيرة في داخل المستوطنة وكان ذلك عام 1983م، أما الآخر فتركز على جزء من سور المستوطنة وأحد الأبراج القائمة عليه.

وكلا العملين قادا إلى اكتشافات أثرية عديدة سواء في مجال المواد الأثرية المنقولة كالعملات والأختام والأواني أو المواد الأثرية الثابتة كالوحدات السكنية. وعلاوة على ما تم داخل المستوطنة وحولها فقد أنجزت أعمال آثارية في عدد من التلال الواقعة خارج سور المستوطنة التي اتضح أنها تخفي تحتها مقابر مشيدة بكتل من الحجر الجيري ومغطاة بكتل أخرى. كما نفذت أعمال مسحية لعدد كبير من المواقع التي تنتشر حول ثاج واتضح وجود عدد من حقول المدافن الركامية والمدافن الدائرية ذات القبور الركامية المتوسطة.

ولا يختلف اثنان من المتخصصين على غنى المادة الأثرية المكتشفة في هذه المستوطنة والتي تمتد زمناً من العصر الحجري الحديث حتى العصر الإسلامي، كما ان انتشار المواقع حول المستوطنة يكاد أن يقول لنا بأننا نتعامل مع قلب مملكة كان لها شأن في العصور القديمة، فهل نحن نتحدث عن مستوطنة الجرهائيين الرئيسة التي كان لها شأن خلال القرون الثلاثة السابقة على ظهور المسيح عليه السلام؟. تلك المملكة التي استطاعت ان ترد الجيش اليوناني الغازي على أعقابه، وأن يكتفي بالصلح معها بعد أن شارف أرضها.

كما أنه يكثر ذكرها في المصادر الكلاسيكية المكتوبة فيما قبل الإسلام، ويكثر وصفها وثرواتها ودورها في نقل التجارة العالمية في المؤلفات اليونانية والرومانية، فإن لم تكن ثاج هي عاصمة مملكة الجرهاء، فمملكة الجرهاء لا عاصمة لها حتى الآن.

ثاج



عبد العزيز سعود الغزي
تزخر المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية بعدد كبير من المواقع الاثرية المنتشرة مكانياً من اقصى شمال المنطقة الى اقصى جنوبها، ومن ساحل الخليج العربي في الشرق الى رمال الدهناء في الغرب. وتمتد زمنياً من العصور الحجرية وحتى يومنا الحاضر. وتتنوع في المنطقة من مواضع ارتياد وتجوال الانسان ابان العصر الحجري القديم ومواقعه الموسمية ومواقع نقاط توقف الطرق التجارية والقرى والمستوطنات. وتتنوع بيئياً، فمنها المواقع الساحلية والجزر والمواقع الداخلية. وبالرغم من انه تم الكشف عن مئات المواقع، الا ان المواقع الاكثر حضوراً بسبب ماكتب عنها وعرف هي الربيعية وتل تاروت والدوسرية، وعين قناص، وابو خميس، وجزيرة المسلمية وعين جاوان، ومقابر جنوب الظهران، وعدد من المواقع في واحة يبرين والآف من المقابر التلالية، والجبيل، وبقيق، والعقير، وثاج.
وتعد مستوطنة ثاج من ابرز المستوطنات المكتشفة في المنطقة الشرقية وهي من المستوطنات الداخلية التي تستحق ان يهتم بها حماية، وترميماً، ودراسة. وتقع مستوطنة ثاج بالقرب من طريق قوافل التجارة القديمة وهو الطريق الذي يسمى بدرب الكنهري. وتبعد عن مدينة الجبيل بتسعين كيلومتراً داخل البر، وتقوم المستوطنة على حافة ارض صبخة لتشغل ارض زراعية جيدة الخصوبة.

ويعد الموقع من اضخم مواقع المستوطنات القديمة المعروفة في شبه الجزيرة العربية بمساحة تتجاوز ثمانية هكتارات مربعة حسبما افاد به الباحث الانجليزي الشهير جفري بيبي الذي نفذ مسحاً لثاج وما حولها عام 1968م. وتنتشر حول الموقع آلاف المقابر التلالية ذات الاحجام الضخمة والتي تغطي امتداداً يتجاوز ثمانية كيلومترات بدءاً من سور المستوطنة. وتوجد الآبار القديمة الضخمة حول الموقع والتي تعرف باسم الركايا. وغير بعيدة عن موقع ثاج توجد مستوطنة الحناءة القديمة التي يعتقد بانها عاصرت مستوطنة ثاج. وتوجد - حولها الردائف في جهة والابتلة الثلاثة في الجهة الاخرى.

ولايجهل الباحثون وجود خرائب مستوطنة ثاج، فقد تحدثت عنها المصادر العربية القديمة، وجاء ذكرها في الشعر العربي الجاهلي عندما كانت مستوطنة لبني يشكر من بني شيبان. ويعرف انها من مواطن قبيلة بني تميم في الجاهلية. وفي عصر الاستكشافات الحديثة كانت ثاج من اقدم المستوطنات التي عرف عنها المجتمع المثقف في العالم الغربي. فمنها نقل ابناء البادية صخوراً عليها كتابات عربية قديمة سابقة على ظهور الاسلام الى المعتمد البريطاني في الكويت. وفي عام 1911م مر بها الضابط البريطاني الشهير شكسبير الذي لقي حتفه في معركة جراب المعروفة نتيجة لتعرضه الى بضع رصاصات، قيل انها ثلاث، طائشة احداها خرقت جبهته واستقرت حيث استقرت ولكنها تسببت في انهاء حياته. ومن اشهر الغربيين الذين زاروا ثاج وكتبوا عنها السيد هارولد دكسون المعتمد البريطاني في الكويت خلال اربعينيات القرن العشرين الذي مر بها برفقة زوجته فايلوت دكسون. وزارها الباحث الامريكي جيمس ماندوفيل وكتب عنها مقالين من اروع واكمل ماكتب عن المستوطنة حتى وقتنا الحاضر.

احدهما خصصه لعصورها القديمة، والآخر لعصرها الاسلامي.

ومر بها الباحث الآثاري الامريكي بول لاب وكتب عنها عدد اخر من الاوروبيين، باحثين وهواة.

وبدأت وكالة الآثار والمتاحف في المملكة العربية السعودية اعمال موسمية في ثاج انجزت منها بضعة مواسم اسفرت عن نتائج مشجعة. وقبل بضع سنين اعد الاستاذ عوض الزهراني رسالة ماجستير عن ثاج بعد ان اجرى فيها حفريات آثارية ميدانية. وفي ضوء هذه الاعمال واعمال اخرى لم نذكرها تبين ان مستوطنة ثاج تعود في تاريخ استيطانها الى منتصف الالف الاول قبل ميلاد المسيح عليه السلام وتستمر حتى العصر الحاضر دون ان ينقطع وجود الانسان فيها حسبما تشهد به المكتشافات الاثرية والشواهد التاريخية.

ويطوق المستوطنة سور يبلغ في امتداده قرابة الكيلومتر طولاً، والسبعمائة متر عرضاً، وتبلغ سماكته ستة امتار. ويكون السور ثلاثة جدران متوالية بالاضافة الى خندق مائي يدور حولها.

ويوجد على اركان السور ابراج للمراقبة والدفاع. وداخل هذا السور تقوم منازل السكان. وبالاضافة الى المنازل الموجودة داخل السور يوجد منازل تقوم خارجه وتلال ترابية تخفي تحتها منشآت معمارية بعد ان يزاح التراب عنها سوف تتضح انواعها.

ومن حيث المكتشفات الاثرية فعلى الرغم من قلة الاعمال الاثرية المنفذة فيها، فان مادتها الاثرية متنوعة بين المصنوعات الفخارية والخشبية وادوات الزينة والعملات المختلفة والاواني المصنوعة من الحجر الصابوني والنقوش المحزوزة على الصخور.

وجاء من هذه المستوطنة الكشف الاثري المميز والذي يعرف بين منسوبي وكالة الآثار والمتاحف باسم "كنز الفتاة المجهولة" المتكون من ثروة ذهبية لاتقدر بثمن تشتمل على تاج وقلائد واساور ووجه تنكري وغطاء كف وغطاء ذرع ومئات القطع الذهبية والسبائك وتابوت مرصع بقمور وجميع تلك المعثورات مصنوعة من الذهب الخالص وغيرها من حلي جاءت من القبر. وتشكل تلك الحلي موضوع رسالة ماجستير تقدمت بها طالبة الى قسم الآثار والمتاحف في كلية الاداب في جامعة الملك سعود. ولاشك ان هذا الكشف يماثل في غناه المادي والفني اميز الاكتشافات في الشرق الادنى القديم. وان دل على شيء لا شك انه يدل على القوة الاقتصادية والحضارية للمستوطنة.

فالمستوطنة امامنا والاطلال قائمة ولكن لانعرف هوية سكان الاطلال نظراً الى عدم تكثيف العمل الاثري الميداني في مستوطنة تستحق ان تدرس وان يكتشف ما بها لانسان اليوم.

إرسال تعليق

*
Top